أهم جزء خاص بـ”الأسرة” وفي حياتك هو العلاقة التي تشاركها مع طفلك.
تؤثر تلك العلاقة بشكل كبير على مستقبل طفلك، فقد أوضحت دراسات الأبحاث باستمرار أنه عندما يقدم الآباء تجارب متكررة يتجاوبون فيها بحساسية مع مشاعر أطفالهم واحتياجاتهم، سينضج أطفالهم، اجتماعياً وعاطفياً وجسدياً، وحتى أكاديمياً.
فليس بالضروري ليكون طفلك هو الأفضل ، أن يتمتع بعلاقات قوية مع والديه، فالطريقة التي ربانا بها والدانا، أو عدد كتب التربية الأبوية التي قرأناها ليست هي السبب في جعل أطفالنا الأفضل !، إنه في الحقيقة يعتمد على مدى فهمنا لتجاربنا مع آبائنا، ومدى حساسيتنا اتجاه أطفالنا التي تؤثر بشكل أقوى على علاقتنا معهم، وبالتالي على مدی نضجهم .
يعتمد الأمر كله على ما نسميه رواية حياتنا ، الرواية التي نسردها عندما ننظر إلى من نكون، وكيف أصبحنا على مانحن عليه الآن، فرواية حياتنا تحدد مشاعرنا تجاه ماضينا، وفهمنا للسبب الذي دفع الأشخاص (مثل آبائنا) للتصرف بالطريقة التي تصرفوا بها، ووعينا بالطريقة التي أثرت بها تلك الأحداث على تطورنا وقت البلوغ.
عندما تكون لدينا رواية حياة مترابطة، فإننا نكون قد فهمنا الطريقة التي أسهم بها الماضي فيما نحن عليه وما نقوم به.
رواية الحياة التي لم يتم فحصها وفهمها من الممكن أن تحدنا في الوقت الحاضر، ومن الممكن أيضًا أن تدفعنا إلى القيام بتربية أبوية تفاعلية، وأن نورث الإرث المؤلم نفسه لأطفالنا الذي أثر بشكل سلبي على بداية حياتنا.
على سبيل المثال، تخيل أن والدك قد مر بطفولة صعبة، ربما كان منزله صحراء عاطفية، حيث لم يواسيه أبواه عندما كان يشعر بالخوف أو الحزن، وكانا باردين وغير ودودين، ليتركاه يجتاز مصاعب الحياة وحده، إذ أنهم فشلا في الانتباه إليه وإلى مشاعره، فإنه قد تأذى بطرق كثيرة كنتيجة لذلك، ووصل إلى مرحلة البلوغ وهو يمتلك قدرة محدودة على إعطائك ما تحتاجه فيما بعد كطفل، وقد يصبح غير قادر على الألفة والعلاقات ومن الممكن أن تكون لديه صعوبة في التجاوب مع عواطفك واحتياجاتك، ليخبرك أنك “مبالغ” عندما شعرت بالحزن أو الوحدة أو الخوف، كل هذا ينتج من ذكريات سابقة لم يكن لديه وعي بها .
ثم ستتعرض أنت عندما تصبح بالغاً ووالداً لخطر توريث نفس الأنماط المدمرة لأطفالك. هذه هي الأخبار السيئة، لكن الأخبار الجيدة – الأخبار الأفضل من جيدة – هي أنك إذا فهمت تجاربك وفهمت الأذى الذي تعرض له والدك وحدوده الارتباطية يمكنك أن تكسر دائرة توريث مثل هذا الألم .
يمكنك أن تبدأ في التفكير في تلك التجارب وطريقة تأثيرها عليك، فقد يتم إغراؤك بأن تقوم ببساطة بالتربية الأبوية بشكل معاكس تماماً لما قام به والداك، ولكن الفكرة بدلاً من ذلك، هي أن تفكر بشكل واضح في الطريقة التي أثرت بها تجاربك مع والديك عليك، قد تحتاج إلى التعامل مع الذكريات السابقة التي تؤثر عليك من دون إدراكك لذلك، وسيكون من المفيد أحياناً أن تقوم بهذا العمل مع معالج، أو أن تشارك تجاربك مع صديق، أياً كانت الطريقة التي ستقوم بها بهذا الأمر، فإنه من الضروري أن تبدأ في أن تفهم بوضوح قصتك الخاصة، لأنه من خلال الخلايا العصبية العاكسة والذاكرة الضمنية، نورِّث حياتنا العاطفية لأطفالنا مباشرة، للأفضل أو للأسوأ، فمعرفتنا بأن أطفالنا يتعايشون مع ما نختبره، هي بصيرة قوية يمكن أن تحفزنا على بدء واستكمال رحلتنا اتجاه فهم قصصنا الخاصة، ويمكننا بعد ذلك أن نتواءم مع احتياجات أطفالنا وإشاراتهم ، لنخلق تعلقاً آمناً وتواصلاً قوياً وصحياً .
توضح الأبحاث أنه حتى البالغون الذين اختبروا فترات طفولة أقل من المثالية يمكنهم أن يقوموا بالتربية الأبوية بشكل مماثل، وأن يربوا أطفالاً يشعرون بنفس الحب والتعلق الآمن الذي يشعر به الأطفال الذين كانت حياتهم المنزلية أكثر تماسكا وحباً . لم يفت الأوان قط على البدء في العمل على رواية حياتك المتناسقة، وبينما تقوم بذلك، سيجني أطفالك المنافع.
تجميع كل ذلك معاً
كلنا لدينا آمال وأحلام لأطفالنا قد تنطوي على الرغبة في أن يكونوا أطفال سعداء، وأصحاء، وأنفسهم بالكامل ،كانت هذه رسالتنا خلال هذه السلسلة وكيف يمكننا خلق هذا الواقع لأطفالنا من خلال الانتباه للتجارب اليومية العادية التي نشاركها معهم، وأيضًا التحديات الصعبة التي نواجهها، وحتى الأوقات الرتيبة التي نعيشها يمكننا التعلم منها كفرص لإعداد أطفالنا ليكونوا سعداء وناجحين، مستمتعين بالعلاقات الجيدة والشعور بالرضا على ماهم عليه، باختصار ليكونوا أطفال المخ الكامل.
إحدى الفوائد الرئيسية لمنظور المخ الكامل كما ناقشنا، هو أنه يخول لك تحويل تحديات التربية اليومية، والتي يمكن أن تقاطع المتعة وتواصلك مع أطفالك إلى تربية المخ الكامل التي تسمح لك بأن تذهب لما هو أبعد من مجرد النجاة، هذا النهج يعزز التواصل والفهم الأعمق بينك وبين أطفالك، فالوعي بالدمج يمنحك الكفاءة والثقة للتعامل مع الأمور بطريقة تجعلك أقرب إلى أطفالك وتتمكن من معرفة عقولهم، وبالتالي المساعدة في تشكيل عقولهم بوسائل إيجابية وصحية، ونتيجة ذلك، لن يزدهر أطفالك وحسب، ولكن علاقتك معهم ستزدهر ، فمن خلال تشجيع الدمج في أطفالك والمساعدة في تطوير جانبي مخهم، فأنت تعدهم ليكونوا أصدقاء أفضل، وأزواجاً أفضل، وأولياء أمور أفضل.
المرجع :
طفل المخ – الكامل ـ ١٢ استراتيجية ثورية للعناية بالمخ النامي لطفلك