آخر العنقود .. طفلك المدلل (٤)

سلسلة ( هل يؤثر ترتيب ميلاد الطفل في أسرته على تكوين شخصيته )


وبعد أن أبحرنا في عالم الابن البكر ، وتحدثنا بإسهاب عن الابن الوسط، ها نحن نكمل في هذا المقال مع الابن الأخير في الأسرة، وأثر ذلك على طباعه ومميزاته وقدراته وكيف لنا أن نتعامل معه .

إن الابن آخر العنقود يتحلى بخصوصية كونه في الموقع الأخير في الأسرة

عادةً ما يُنظر إلى الطفل الأكبر سنًا على أنه طفل “التجربة”، مما يعني أن الوالدين يختبران كل شيء لأول مرة معه، ويُنظر إلى الطفل الأوسط على أنه الطفل “المنسي” في الأسرة أو “المهمل”، بينما يُنظر إلى الطفل الأصغر على أنه الطفل الذي يحصل على كل شيء، ويحظى بأكبر قدر من الاهتمام، وله من الامتيازات ما لا يتمتع بها الأخوة الأكبر سناً، ولا يتم إلقاء اللوم عليه مطلقاً، لأن الآباء غالبًا ما يلقون اللوم على الأخوة الأكبر سنًا، فهم يكونون أكثر ثقة بما قد مروا به من قبل مع الأخ الأكبر ، ومن ناحية أخرى قد يكون الآباء أُنهكوا، وتصبح احتمالات تدقيقهم في أصغر الأمور قليلة إلى حد كبير .

فالطفل الأخير يحصل على المزيد من الاهتمام من والديه عندما يذهب ويستقل بنفسه عن إخوته الأكبر سناً منه، ويكون مدللًا لأنه آخر “طفل” لوالديه في المنزل، فيحق له ما لا يحق لإخوته الذين سبقوه، حتى إنه يحوِّل أحيانًا سطوة الأب وشدته إلى سلوك يشبه سلوك الحمل الوديع أمام رغباته .

وقد يقع تحت سلطة وتسلط والديه وإخوته الأكبر ، فكلمته آخر ما تُسمع ورأيه آخر ما يؤخذ في الاعتبار ، وهو في الأغلب والأعمّ تابعاً وليس قائداً، ويكون أكثر اعتماداً من بقية إخوته على الكبار ، وقد يشعر بالنقص حين يقارن نفسه بالأكبر دائماً، ولذلك يحاول الحصول على المدح والثناء على سلوكه، وهو يحاول دائماً إثبات ذاته ولو بتحدي الآخرين، خاصة الأكبر والأقوى حتى ولو وصل الأمر إلى المخاطرة والتضحية والاندفاع .

وغالباً إذا كان هو الأخ الأصغر لأخوات، فإنه يكون محط الأنظار ومحل اهتمام أكبر ، ويتلقى عادة خدمات كثيرة ورعاية كبيرة، ويكون مدللاً من والديه وأخواته، ويميل إلى أن يأخذ أكثر مما يعطي، وكذلك إذا كانت الأخت الصغرى لإخوة.

الوجه الآخر للدلال

وإنه إذا استفاد من الدلال الزائد والتساهل معه، فقد يجد أنه حوصر في مكان طفولي، فهناك الكثير من الأمهات لديهن علاقه قوية مع أطفالهن آخر العنقود، وفي الوقت نفسه تكون لديهن رغبة قوية في أن يبقى تحت حمايتهن بشكل مبالغ فيه، ويعاملن أبناءهن آخر العنقود على أساس أنهم الأضعف ولا يزالون صغاراً وبحاجه إليهن وأنهم غير قادرين على تدبّر أمورهم بدون مساعدة من الأسرة، ويحاولن إدراك ما فاتهن في تربية أبنائهن الأكبر فيبالغن في رعايته، لهذا السبب يشعر بالألم عندما تأتي لحظة الانفصال عن والدته أكثر من إخوته، ويواجه صعوبة في تحمل المسؤولية وتدبر أموره.

هناك حالتان للإبن آخر العنقود، فإما أن يكون ذا خبرة واسع الحيلة لأنه يعيش بحرية ولأن أهله يتركونه يختبر كل ما يهمه، وبذلك يتبع إخوته الأكبر منه وينضج بسرعة.
وإما يكون محاطًا بالحماية المبالغ فيها من والدته وإخوته أيضًا الذين يدللونه ويعتبرونه لفترة طويلة طفلاً صغيرًا ويشعر دائمًا بالأمان والجميع يحاول الاهتمام به .

ينعكس التدليل المفرط على شخصية الفرد في أن يصبح أنانياً محباً للاستحواذ على ما يملك الآخرون، ويلازمه هذا السلوك عند الكبر أحياناً فهو دوماً يحاول أن يبقى مميزاً عن الآخرين، وربما يؤثر التدليل الذي تلقَّاه في صباه ليصبح شخصية تميل للتصرفات الغير عقلانية.

ومن جانب آخر تميل شخصيته في العائلة إلى المرح ويضفي على العائلة البهجة وهو الأكثر قبولاً فشخصيته من النوع الذكي اجتماعيًا الذي يأنس الناس بوجوده، وهذا ما اثبتته الدراسات والأبحاث .

يقول الدكتور سالمون : بشكل عام يرتبط ارتفاع القبول والانبساط والانفتاح بالأطفال الأصغر سنًا، وأحيانًا الافتقار إلى المسؤوليات وتساهل الوالدين في توقعاتهم منهم، ونتيجة لذلك فإنهم يميلون إلى التفوق في المجالات التي تنطوي على بُعد اجتماعي .

ملخص لأهم سمات ابنك الأصغر

محباً للمرح، منفتح، مُتَّكل على الآخرين، مُلفت للانتباه، مُجازِف، متحرر ، مدلل، مثابر (سيستمر في الضغط حتى يحصل على مايريد) وهي سمات، وإن كانت موجودة في الطفل غالباً، إلا أنه يتم تعزيزها من خلال تواصل الأسرة وسلوكها معه.

تطبيقات تربوية للتعامل مع آخر العنقود

  • امنح طفلك الأخير نصيبه العادل من المسؤولية في الأسرة.

  • يميل آخر العنقود إلى أن يكون أقل انضباطاً من بقية المجموعة، تأكد من أن القواعد تنطبق على جميع الأطفال.

  • التعرف على الإنجازات، تذكر أن المرة الأولى التي يربط فيها طفلك الأخير حذائه لا تقل أهمية عن المرة الأولى التي يفعل فيها طفلك الأول ذلك.

و تقول د. نسرين يحيى من خلال جمعية العلاج الزوجي والأسري

  • دلِّلوا ولكن بقدر ، فقد يُفسد الأبوان عملية نمو أطفالهما بالدلال المبالغ فيه مما يجعلهم متكلين عليهم ويحرمونهم من الاستقلال، والمبادرة، والابتكار .

  •  أحياناً قد يكون الأصغر وُلد بفارق عمري كبير عن إخوته، ولأن والديه أحياناً يكونان بجيل متقدم فإن الإخوة والأخوات يقومون بدور المربِّي لهذا الطفل، وقد يكون لهذا الأمر جوانب جيدة منها أنه لديه محفزات وإمكانية للتفاعل والتعلم ممن هم أكبر منه ولكن هناك أيضا جوانب سلبية لا بد من الوقوف عندها ومنها قلب الأدوار في العائلة فالابن يصبح الأب والأب يتنازل عن دورة التربوي، والابن الأصغر يشعر بأن له أكثر من أب وأم مما يضر بالسلطة الوالدية وفقدان هيبة الأب والأم ودورهما الفعال في حياة الابن، يجب أن ينتبه الأهل أن مهمة التربية والأمر والنهي هي لهم وحدهم وليس للإخوة فهم أصحاب السلطة وهم المسؤولين عن مهمة التربية فهي ملقاة على عاتقهم هذا حتى وإن كانوا كبيرين في العمر .

وختاماً

لعلنا في هذه السلسلة أجبنا على جزء من التفسيرات للاختلاف بين أفراد الأسرة الواحدة فمع أنهم ترعرعوا في نفس البيت ولنفس الوالدين فإن لترتيب الولادة الأثر الكبير على مميزات الشخصية خاصة أن نفس الوالدين يكونان ذوي أساليب مختلفة بنقاط زمنية مختلفة مما ينعكس بدوره على طبيعة شخصية الأبناء، فالأم مع البكر ليست كما هي مع الأوسط وليست كما هي مع الأخير أو الوحيد أو حتى مع الذكر و الأنثى، وهذا ما يجعل الكثير من الاختصاصيين اليوم المبادرة بالسؤال كجزء من التشخيص في العلاج والاستشارة عن الترتيب والمكان في التسلسل الولادي لما فيه من دلالات على الفرد وشخصيته .


المرجع :

جمعية العلاج الزوجي والأسري